أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -نسبها ، وخصائصها.
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : -
إن الحديث عن الحبيب حبيب ، ترتاح له النفوس ، وتهفو القلوب شوقا إليه ، ونحن والله نحب حبيبنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فهو أحب الخلق إلى الله - تعالى - ، وأعلمهم بالله ، وأتقاهم له . ونحب من يحب ، ونتلهف لمعرفة محابـّه - صلى الله عليه وسلم - للإقتداء به ، والإهتداء بهديه .
ونحتسب ذلك قربة نتقرب بها إلى الله - تبارك وتعالى- ، عسى أن يجمعنا به مع المتحابين في جلاله ، وأن يظلنا بظله يوم لا ظل إلا ظله ، ونرجو بها رضوان الله - تعالى - عنا ، وندعوه – سبحانه - أن يسقينا شربة من يد نبينا وحبينا- صلى الله عليه وسلم - الشريفة لا نظمأ بعدها أبدا .
وكان من أحب الناس إليه : زوجه وأحب نسائه إليه أم المؤمنين عائشة ، وأبوها أبو بكر - رضي الله عنهما - . فعن عمرو بن العاص وأنس - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أحب الناس إليّ عائشة ومن الرجال أبوها ) متفق عليه . [ صحيح الجامع 177 ] .
إنها أمّـنـــــا أم المؤمنين الصديقة عائشة رضي الله عنها ، زوجة الأمين رسولنا - محمد صلى الله عليه وسلم - ، وابنة الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - .
اسمها : مأخوذ من العيش ، وهو مؤنث عائش .
ومعناه : ما تكون به الحياة من مطعم ومشرب ودخل . انظر : [ المعجم الوسيط . جـ 2 ص 640 ] .
ألقابها : أطلق عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألقاب عدة تميّزت بها وناداها بها . ومنها : ـ
عائش : روى الإمام البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - في صحيحيهما عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عائش هذا جبريل يقرأعليك السلام . فقالت : وعليه السلام ورحمة الله ، قالت وهو يرى ما لا أرى ) صحيح . انظر : [ مختصر مسلم 1668 و صحيح الجامع 7915 ] .
الحميراء : هو تصغير للحمراء ، لأن العرب تطلق على الأبيض " أحمر " لغلبة السمرة على لون العرب . انظر : ( لسان العرب : مادة حمر ) .
فعن أبي سلمة - رضي الله عنه - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( دخل الحبشة يلعبون فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ، فقام على الباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه ، فأسندت وجهي إلى خده ، قالت : ومِن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حسبك ؟ ! " . فقلت : يا رسول الله ! لا تعجل ، فقام لي ، ثم قال : " حسبك ؟ ! " . فقلت : لا تعجل يا رسول الله ! قالت : وما لي حب النظر إليهم ، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ، ومكانتي منه ) صحيح . انظر [ فتح الباري جـ 2 ص 444 و الصحيحة 3277 ] .
موفــَّــقـة : وكان يناديها بقوله : ( يا موفــَّــقـة ) و ( يا ابنة الصديق ) و ( يا بنت أبي بكر ) انظر : [ مسند الإمام أحمد ( 1/ 335 ) ] .
حَصَانٌ رَزَانٌ : قال فيها شاعر الوحي :حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
حَصَانٌ رَزَانٌ ما تـزن بريبة ***** وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة أصل من لؤي بن غالب ***** كِرام المساعي مجدهم غير زائـل
مهذبة قد طهــر الله خيمها ***** وطهـرها من كل بغي وطائــل .
* الحَصان : العَفيفة.
* الرَّزان : ذات الثبات والوقار والعفاف.
* تُزَنّ : تتهم.
* غَرْثا : جائعة.
* الغَوافِل: الغافلة . يعني بذلك : أنها لا ترتع فى أعراض الناس، ولا تأكل لحومهم.
كنيتها : أم عبد الله : روى عروة - رضي الله عنه - عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : يا رسول الله كل صواحبي لها كنية غيري قال : ( فاكتني بإبنك عبدالله بن الزبير . فكانت تدعى " بأم عبدالله " حتى مـاتت ) مسند الإمام أحمد : ( 6 / 260 ، 151 ، 186 ) .
ومكثت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين ولم تنجب منه أبناء ، يؤكد ذلك ما رواه عروة - رضي الله عنه وعنها - أنها قالت : كنّـاني النبي - صلى الله عليه وسلم - أم عبدالله ، ولم يكن لي ولد قط ) المعجم الكبير : ( 23 / 18 ) رقم 34 ) .
وقال بن حجر - رحمه الله تعالى - : ( ... ولم تلد للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا على الصواب ، وسألته أن تكنّى فقال : اكتني بإبن أختك ، فاكتنت بأم عبدالله ) انظر : [ فتح الباري ( 7 / 34 ) و (62 9 ) كتاب فضائل الصحابة – ( 30 ) باب : فضل عائشة - رضي الله عنها - ] .
نسبها : ــ تنتمي السيدة عائشة - رضي الله عنها - إلى أسرة كريمة ، تنحدر من قبيلة تيّم العربية القرشية الأصيلة ، المعروفة بالكرم ، والشجاعة ، ونصرة المظلوم ، وإعانة الضعيف ، ولأسرتها مكانة مرموقة قبل الإسلام وبعده ، ووالدها أحد سادات هذه القبيلة ، فنشأت في بيت عز وفخار ، بيت عامر بالإيمان لأبوين مسلمين في صدرالإسلام ، مما كان له أطيب الأثر عليها ، فقد قالت - رضي الله عنها - : ( لم أعقل أبواي قط إلا وهما يدينان بالدين ) رواه البخاري : ( 3 / 63 ) ( 63 ) كتاب مناقب الصحابة ( 45 ) باب : [ هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - . رقم ( 3905 ) ] .
والدها : أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - .
واسمه : عبدالله ابن أبي قحافة ، عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيّم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشي التميمي . انظر : [ الإصابة ( 2 / 341 ) ـ والبداية والنهاية : ( 8 / 91 ) ] .
وعلى ذلك فنسبه نسب شريف ، يتصل بنسب خير الخلق أجمعين ، نبي الأمة ، وسيد المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - في مرّة بن كعب . انظر : [ أسد الغابة : ( 3 / 309 ) والروض الآنف : ( 1 / 288 ) ] .
وهو أول مَن أسلم من الرجال ، واستجاب لدعوة الحق منهم.
سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدّيقا ، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( لما أسري بالنبي- صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد الأقصى ، أصبح يحدّث بذلك الناس ، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر ، فقالوا هل لك في صاحبك ! يزعم أنه أسريَ به الليلة إلى بيت المقدس ، فقال : أوَ قال ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال أبو بكر : لئن قال ذلك لقد صدق ، قالوا : فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : " نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة " فلذلك سمي أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ) . انظر: [ تفسير بن كثير جـ 3 ص 33 ] .
وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضا : عتيقا ، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " أن أبا بكر دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنت عتيق الله من النار ) صحيح . انظر: [ الصحيحة 1574 . صحيح الجامع 1482 ] .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من أحد أعظم عندي يدا من أبي بكر - رضي الله عنه - واساني بنفسه وماله ، وأنكحني ابنته ) [ الصحيحة 2214 ] .
واختاره الله - تبارك وتعالى - ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، والمؤمنون ليكون خليفة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته . فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ادعي أبا بكر أباك وأخاك ، حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ ، ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ) انظر : [ صحيح الجامع 247 . الجنائز 147 ، الإرواء 700 ، الصحيحة 690 ، مختصر مسلم 1628 ] .
والدتها : أم رومان - رضي الله عنها - .
قيل اسمها : دعدة ، وقيل اسمها : " زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غُنم بن مالك بن كنانة " . انظر : [ الروض الأنف : ( 4 / 21 ) وتهذيب التهذيب ( 12 / 433 ) و ( أسد الغابة ) : ( 7 / 331 ) رقم ( 7442 ) ] .
كانت من أوائل المسلمات في مكة ، بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهاجرت مع أهله ، ومع آل أبي بكر - رضي الله عنهم - .
خصائص أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها –
1 ــ من خصائص السيدة عائشة - رضي الله عنها – أنها كانت أفضل النساء : فعن أبي موسى- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه . انظر : [ صحيح الجامع حديث رقم: 4578 ] .
2ــ السيدة - عائشة رضي الله عنها – هي الزوجه الوحيدة لأبوين مهاجرين - رضي الله عنهما - .
3 ــ كان من أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجه أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها – : فقد كانت من أحب نسائه إليه ، وكان أبوها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من أحب الرجال إليه : فعن عمرو بن العاص وأنس - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أحب الناس إليّ عائشة ومن الرجال أبوها ) متفق عليه . انظر : [ صحيح الجامع 177 ] .
4 ــ عرضها الملـَكُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نكاحها في سَرَقَة من حرير، يقول هذه امرأتك : فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أريتك في المنام ثلاث ليال ، جاءني بكِ الملكُ في سرَقّةٍِ من حرير ، يقول هذه امرأتك ، فأكشفُ عن وجهك فإذا أنت هي . فأقولُ إن يَكُ هذا من عند الله يُمضِه ) صحيح . انظر : [ مختصر مسلم 440 ] .
وفي رواية أخرى للبخاري : ( أريتك في المنام مرتين ) ( 3 / 357 ) ( 67 ) كتاب النكاح ، باب : [ نكاح الأبكار . رقم ( 5078 ) ] .
وكانت تفخر بذلك – وحُقّ لها أن تفخر – وهنيئا لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجا . تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال قبل الهجرة ، وبنى بها في شوال من السنة الثانية للهجرة بعد غزوة بدر الكبرى .
وكان صداقها : أربعمائة درهم . انظر : [ زاد المعاد (1/103) ، الإصابة (4/360) ] . روى الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - عنها - رضي الله عنها - قالت : ( تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال ، وبنى بي في شوال ، فأي نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحظى عنده مني ) فكانت تحب أن تدخل نساءها في شوال " . صحيح . رواه مسلم (2 / 1039 ) ( 16 ) كتاب النكاح – ( 11 ) باب استحباب التزوج والتزويج في شوال ، واستحباب الدخول فيه . رقم : ( 73 / 1423 ) .
5ــ من خصائص السيدة عائشة - رضي الله عنها – أنها كانت من أصغر نسائه سنا عند البناء بها : روى البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : ( تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لست سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ، قالت : فقدمنا المدينة فوعكت شهرا ، فوفى شعري جميْمَة ، فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة مع صواحبي فصرخت بي ، فأتيتها ، ما أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي فأوقفتني على الباب ، فقلت : هه ... هه ، حتى ذهب نفسي ، فأدخلتني بيتا ، فإذا بنسوة من الأنصار ، فقلن على الخير وعلى خير طائر ، فأسلمنني إليهن ، فغسلن رأسي وأصلحنني ، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى فأسلمنني إليه ) صحيح . رواه البخاري ( 3 / 66 ) ( 63 ) – 44 باب : [ تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة - رضي الله عنها - وقدومها المدينة وبناؤه بها . رقم ( 3894 ) ] .
وفي رواية للبخاري : ( 9 / 163 ) ( تزوجها وهي بنت سبع سنين ، وبنى بها وهي بنت تسع سنين ) .
6 ــ لم يتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكراً غيرها : فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : قلت : يا رسول !! أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجر قد أكل منها ، ووجدت شجرا لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتـع بعيرك ؟ قال : ( في التي لم يرتـع فيها ) .
يعني : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً غيرها " . أخرجه البخاري ( 9 / 120 / 5077 ـ فتح ) .
وعنها - رضي الله عنها – أنها قالت : " إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتفقد ، يقول : ( أيـن أنا اليوم ؟ أيـن أنا غدا ؟ ) استبطاء ليوم عائشة ، قالت : فلما كان يومي قبضه الله ما بين سحري ونحري " . صحيح انظر : [ مختصر مسلم 1663 ] .
7 ــ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقسم لها يومين ، يومها واليوم وهبته له سودة بنت زمعة - رضي الله عنها – : فعن عائشة - رضي الله عنها – : ( أن سودة لما كبرت قالت : يا رسول الله ! قد جعلت يومي منك لعائشة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقسم - لعائشة يومين يومها ، ويوم سودة ) ( متفق عليه ) انظر : [ مشكاة المصابيح جـ 2 رقم 3230 ] .
8 + 9 ــ * كان الناس يتحرون بهداياهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – يوم عائشة - رضي الله عنها – .
* ولم ينزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في لحاف امرأة من نساءه ، إلا في لحاف عائشة - رضي الله عنها – : فعن محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن عوف بن الحرث عن رميثة عن أم سلمة - رضي الله عنها – : " أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمنها أن تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وتقول له : إنا نحب الخير كما تحب عائشة ، فكلمته فلم يجبها ، فلما دار عليها كلمته أيضا فلم يجبها ، وقلن ما رد عليك ؟ قالت : لم يجبني ، قلن لا تدعيه حتى يرد عليك أو تنظرين ما يقول ، فلما دار عليها كلمته ، فقال : ( لا تؤذيني في عائشة ، فإنه لم ينزل على الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن ، إلا في لحاف عائشة ) صححه الألباني - رحمه الله تعالى – . انظر : [سنن النسائي (7/68) رقم3950 ] .
10 ــ كانت أفقه نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل أفقه النساء وأكثرهن علماً ، وكانت تحفظ من أشعار العرب وأخبارهم وأنسابهم الكثير، كما اشتهرت بالفصاحة والبلاغة . فإنها وإن كانت صغيرة السن فقد كانت - رضي الله عنها - كثيرة الصيام والقيام والصدقات ، راجحة العقل ، نيّرة الفكر ، شديدة الملاحظة .قال الإمام الزهري - رحمه الله تعالى - : [ لو جمع علم عائشة - رضي الله عنها - الى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة - رضي الله عنها – أفضل] . انظر : [الإصابة ( 4/ 360) ] .
وقال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه –[ ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة - رضي الله عنها - إلا وجدنا عندها فيه علماً ، كان يرجع إليها الناس ويسألونها عن أمور دينهم ، وعن جوانب السيرة النبوية ، فتخبرهم بما رأته وسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] .
لذا فإنها كانت ُتعد أول فقيهة في الإسلام . وقد كانت من أكثر الناس رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إذ روت ألفان ومئتان وعشرة أحاديث .
11 - أنزل الله تبارك وتعالى – عذرها وبراءتها وطهارتها مما رُميت به من فوق سبع سموات ، بآيات تتلى في كتاب الله العزيز إلى ما شاء الله . في ست عشرة آية متوالية من سورة النور وهي الآيات (11-26) : بعد ما تقوّلَ عليها المنافقون في غزوة بني المصطلق ، وأشاعوا قصة الإفك في حق أحب نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إليه .
ومن تواضعها - رضي الله عنها - أنها قالت حين روت قصة الإفك : ( وَلَشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوَحْي يُتلى ) ، والقصة أخرجها البخاري في صحيحه (4750) .
وسأفرد لقصة الإفك موضوعا خاصا إن شاء الله – تعالى - .
12ــ وبسبب قصة الإفك التي رميت بها - رضي الله عنها - بيّن الله – تبارك وتعالى أحكام قذف المحصات في الشرع ، فشرعَ جلد القاذف ثمانين جلدة إن لم يأت بأربعة شهداء . قال الله - تعالى - : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ َاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ النور4 ــ 5 ] .
فوضع الله – تبارك وتعالى – بذلك حدودا للخوض في الأعراض وانتهاك الحرمات والحدّ منها . وصار باب القذف وحده باباً عظيماً من أبواب الشريعة ، وهو قول سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ . انظر : [ تفسير القرطبي (6/115 ] .
13 ــ نزلت بسبب ضياع عقد السيدة عائشة - رضي الله عنها - آية التيمم ، فكان في نزولها رخصة وتخفيف على الأمة : ومن فضل الله – تعالى – أنه لم ينزل بالسيدة عائشة - رضي الله عنها - أمر إلا جعل الله لها منه مخرجاً ، وللمسلمين بركة ، كآية التيمم . ولذلك قال أسَيْد بن حضير ـ رضي الله عنه ـ : ( جزاكِ الله خيراً فوالله ما نزل بكِ أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجا ، وجعل للمسلمين بركة ) . أخرجه البخاري (3773) .
وقال أُسَيْد بن حضير أيضا : ( ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) والقصة أخرجها البخاري في صحيحه (4607 ) .
وأخرجها النسائي في سننه فقال : أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء ، أو ذات الجيش ، انقطع عقد لي ، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه ، وأقام الناس معه ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فأتى الناس أبا بكر - رضي الله عنه -فقالوا : ألا ترى ما صنعت عائشة ؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس ، وليسوا على ماء ، وليس معهم ماء ، فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام ، فقال : حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ، قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر ، وقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فما منعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي . فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله عز وجل آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته ) قال الشيخ الألباني : صحيح . [ انظر سنن النسائي1/163 رقم 310 ] .
14 ــ ومن خصائصها - رضي الله عنها - أن الله - عز وجل - لما أنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية التخيير ، بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فخيرها ، فاختارت الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الفور ، واقتدت بها بقية أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فكنّ تبعاً لها في ذلك : ففي الحديث الذي رواه البخاري- رحمه الله تعالى - في صحيحه (4786) بسنده أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لمّا أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال : ( إني ذاكر لكِ أمراً ، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ) . قالت : وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : ( إن الله جل ثناؤه قال { : يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها } إلى { أجراً عظيماً } قالت : فقلتُ : ففي أيِّ هذا استأمر أبويَّ ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قالت : ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ ما فعلتُ .
15 ــ ومن خصائصها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استأذن نساءه في مرض موته أن يمرّض في حجرتها - رضي الله عنها - .
وتوفي في حجرها - رضي الله عنها - ، وكان رأسه ما بين سحرها ونحرها .
السّحْر : هي الرئة وما يتعلّق بها .
ولشدة حبه - صلى الله عليه وسلم - لها ، قال لها في الحديث الذي روته عنه - رضي الله عنها - فقالت : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنه ليهوّنُ عليّ الموت أن أريتكِ زوجتي في الجنة ) [ الصحيحة 2867 ] .
16 ــ ومن خصائصها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفن في مكان وفاته في حجرتها ، ثم دفن من بعد بجانبه والدها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - .
أقامت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقارب التسع سنين . وتوفي عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي ابنة ثماني عشرة سنة .
وتوفيت - رضي الله عنها - بالمدينة عن ثلاث وستين سنة . وذلك في رمضان عام ثمان وخمسين للهجرة .
هذه أمّـنـا عائشة - رضي الله عنها - ... هذه هي الحمـيراء ... ونعمّـا .
اللهم إني أشهدك أني أحبها فيك ، وأحب من يحبها ، اللهم اجمعنا بها وبأمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - أجمعين في أعلى عليين ، على منابر من نور مع المتحابين في جلالك يا رب العالمين . وأظلنا اللهم في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .
إنك – سبحانك - وليّ ذلك والقادر عليه .
وكتبته : أم عبد الله نجلاء الصالح
منقوووووووووووول